شذا مكة

من قلب مكة فاض الطهر للأمم

وأشرق النور يجلو حالك الظلم

من قلبها أنهر الإيمان زاكيةٌ

تروي بسلسالـها الرقراق كل ظمي

من أرضها كل أرضٍ تكتسي حللًا

من الفضائل والأخلاق والشيم

ومن رباها تغنى الكون في طربٍ

بأحمدٍ خير خلق الله كلهم

جبالـها الشامخات الوحي عانقها

فأزهرت بثمار العلم والـحكم

من غارها مرت الدنيا بأكملها

بلحظةٍ كان منها مولد القيم

بلحظةٍ ما مضى في الكون مذ خلقت

أجزاؤه مثلها في الفضل والعظم

(اقرأ) تعطَّر سمع الكون أحرفها

(اقرأ) ومن علم الإنسان بالقلم

(اقرأ) فهذا انبثاق العلم روعته

تطيح بالـجهل والإشراك والعَتَم

(اقرأ) على صفحة الكون الفسيح ترى

دلائل الواحد الـخلاق ذي الكرم

(اقرأ) روائع إعجازٍ معبرةً

إيحاؤها وعظه أوفى من الكلم

في الـخلق في الرزق في الأفلاك شاهدةً

في البحر في النهر في الصحراء في العَلَم

في البرق في الوَدْق في سحر الطبيعة في

عزف الـجداول في الإنسان في النَّعَم

في الظل في الطَّلِّ في عطر الزهور وفي

لـحن العصافير في تهويمة النغم

في الريح في الروح في الأثـمار يانعةً

في الشوق في الذوق في الإيجاد من عدم

في بسمة الفجر في همس العيون وفي

مهابة الليل في الصحراء في الأُطُم

قم يا محمد يا خير البرية قم

مجليًا بالـهدى ما كان من قَتَم

أوتيت أمرًا ثقيلًا كنت أنت له

فقام من بعدها المختار لم ينم

وعاش يبعث أرواحًا ويعمرها

بالوحي حتى سما بالناس للقمم

وأيقظ الـحس فيمن خان فطرته

أو كان تسبيحه للشمس والصنم

وأشعل الـمجد فيمن كان همته

فِرْقٌ من النوق أو سربٌ من الغنم

أما الفضائل والأخلاق هذبها

وصانها من حظوظ النفس والغشم

وصاغ من كل فكرٍ نابهٍ مثلًا

أعلى لبث الـهدى والبر والشَّمَم

من مهبط الوحي أشرقنا بروعتنا

وصفق الـمجد للآداب والـهمم

جئنا هناءً وإنماءً ومعرفةً

وَغَيْرُنا عن دروب الـمكرمات عَمِ

جئنا سلامًا وسلوانًا ومرحمةً

وحكمةً وعطاءً ماتع الدِّيم

يا مكة الطهر يا عطر الوجود ويا

ريحانة الكون يا لـحنًا لكل فم

يا سلوةً لقلوب العاشقين ويا

مهوى الـمحبين من عربٍ ومن عجم

هواك يبقى شذًا نسمو بروعته

ونرتوي من مزايا فضلك العَمِم

أنت الرضا والـهوى والأنس يا أملي

أنت الغنى والـمنى والطب للسقم

يا منتهى الأنس بالبيت العتيق فما

ألذ من لثم أركانٍ وملتَزَم

هناك تذرف عين الـحب أدمعها

وينجلي كل ما بالنفس من ألم

يا أحرفي قبـلي الأركان خاشعةً

وزمزمًا ومقام الطهر واستلمي

تراقصي واعزفي في وصل فاتنةٍ

مَيَّاسَةٍ وارشفي الرضوان واغتنمي

يا أحرفي أي ألـحانٍ وقافيةٍ

تَبِينُ عن ساكنٍ في مهجتي ودمي

لكنها ومضةٌ من نور قبلتنا

من خافقٍ عاشقٍ بالـحب مضطرم

لو قام يشدو بنو الدنيا بروعتها

ما أنصفوا موطن الـمختار والـحرم