النعيم الزائل والجمال الذابل

مناظر من جمالٍ باهرٍ عجزتْ

عن وصفه أبدعُ الألفاظ والجُملِ

النفس مأسورةٌ.. والفكرُ في عجبٍ

والروحُ من سحره الخلَّابِ في جَذَلِ

البحر في موجه العاتي وزرقته

يبدد الهم.. يمحو سطوة المَللِ

والنهر.. والزهر.. والأغصان مائلة

وروعة السهل.. والغاباتِ.. والجبلِ

حدَائق.. وبسَاتينٌ مُنَوَّعَةٌ

وزينةٌ من ورِيفِ الظل والظُّللِ

واللوز والجوز.. والأثمار يانعة

بديعة.. وفنونُ التمر والعسلِ

أنقى الشـراب.. وأزكى ما يلذ وما

يطيب من عالم الحلواء والأكُلِ

والعطرُ يسـري إلى الأرواح يوقظ في

مشاعر المرء صوتَ الحب والغزلِ

أمَّا تمايُلُ ربَّاتِ الدلالِ.. ومَا

ينثُرنه من عبير في الحياة جلي

غيدٌ يزلزلن أركان النفوس وكم

مِن مدنف صوبته أسهم المُقلِ

وانظر جمال القصور الشامخات.. وما

يروق للعين من دورٍ ومن فِللِ

ومن وسائل نقل فاره حسن

ومن نفائسِ خَزٍّ ناعمٍ وحُلي

أما عن اللبس.. عن فن الأناقة.. عن

موضاتها وتباهي الناسِ.. لا تسلِ

وتِقنيات كمثل السحر مذهلة

أضحى التنافس فيها ديدنَ الدولِ

وكم وكم من أعاجيب الحياة.. ومِن

ما سخر الله للإنسان من سبلِ

مباهج.. وملذات.. وأودية

فياضة بعطايا جوده الجزلِ

تتيه في وصفها الألباب.. ليس بها

عيب سوى أنها تمضـي على عجلِ

وأنَّها كسـراب خادعٍ.. فإذا

ما كاد يفرح فيه المرء لم يَطُلِ

وأنَّ مهما صفا عيشٌ لساكنها

فكم تعكره الأيامُ بالعللِ

وأنَّ في هاذم اللذات مسبَعةً

تمزق الشمل.. مهما طاب من أملِ

لو كان في الخلد إمكان لذي شرف

لفاز بالخلد فيها صفوة الرسلِ

مهما صفا الحال.. مهما كان من ترف

فالعمر ماض إلى بوابة الأجلِ

مضـى ملوكٌ وأملاكٌ.. وكم عصفتْ

يدُ المنونِ بمجدٍ باذخٍ فَبَلِيْ

كم من سعيدٍ بطيب العيش مبتهج

أمسـى ضحية خطب الحادث الجللِ

ومِن ثَرِيٍّ مَضَـى.. لم تُغْن ثَرْوَتُه

شيئًا.. وغادر مِن كل الكنوزِ خَلِي

لم يَمْضِ إلا بثوب أدْرَجُوهُ بِهِ

وبات ما حازَه مُلكا لكلِّ ولِي

وقائدٍ فاتكٍ فَلَّتْ كتَائِبُه

كتائبًا.. لم يَعُدْ بالفَارس البَطَلِ

وغادةٍ تُطْرِبُ الأرواحَ طلعتُهَا

عاشَتْ تَنَعَّمُ بالديبَاج والحُللِ

لم يحجمِ الموتُ يومًا عن محاسنِها

أو هَيْبَةً لجمَال الخَدِّ والكَحَلِ

 لو عاش مَن يملكُ الدنيا بِرُمَّتِهَا

فما له عَن حِيَاضِ الموت مِن بَدَلِ

لا يَهْنَأ القلبُ فيما لا أمانَ له

وكيف تَعْذُبُ آمالٌ لمرتحلِ؟!

لا يخدعنَّكَ حُسنٌ زائفٌ.. فتُرى

لاهٍ.. كأنما أنت عنه غير مرتحلِ

إنَّ الحياة غرور.. زخرف.. لعب

لَهْوٌ.. فكن عن بريق المغرياتِ علي

الأمن فيها بإيمان ببارئها

وبالقناعة.. والأخلاق.. والمثُلِ

وثـَمَّ يوم عبوس لا نجاة به

للمرء إلا بـحسن القول والعملِ

ولا يغرك ما أوتيتَ.. لست سوى

جرم صغير ضعيف الحال والحِيَلِ

وأين علمك مهما كان مُبتَكرًا

أمام علم العليمِ الشاملِ الأزلي

والناس في هذه الدنيا وما صنعوا

هباءةٌ عند ذكر الشمس أو زحلِ

فكيف ظنك بالسبع الطباق وما

فيها.. وبالأرضين السبع والكتلِ؟!

إنْ هَالَكَ الحسنُ في الدنيا فكيف بما

أعدَّه الله في الفردوس والنزلِ؟!

فاخضع لرب.. عزيز.. قادر.. حكم

مهيمن.. جل عن ندٍّ وعن مَثَلِ

وانعم بآلائه.. واهنأ بزينته

في غير كِبر ولا بُخل ولا دغلِ

واسعد بلذاتها مما أباح.. وكن

مما تخبئه الأيام في وجلِ

حدائق البر والطاعات أجمل ما

تسمو به النفس عن تيهٍ وعن زللِ

سافر بروحك في حب الإله على

نور من الله في وجدان مبتهلِ

وفي مناهل ذكر الله منتجعٌ

لكل قلب بحبل الله متصلِ

أحْسِنْ كما أحسن الباري إليك.. وكن

لِما دعاك إليه خيرَ ممتثلِ

وكنْ إلى الناس كالغيث الهنيئ إذا

أصاب أرضا كساها أبدع الحللِ

سمحًا.. حليمًا.. كريمًا.. صادقًا.. دمثًا

ذا منهج وسطيِّ الأمر معتدلِ

معظمًا لرسول الله مقتديًا

به وبالصحب من ساداتنا النبلِ